דרור בורשטיין

המורה להתעמלות

درور بورشطاين

مدرس الرياضة

العربية: تامر مصالحة

كان في غرفة مُدرس الرياضة خزانة عرضٍ ذات زجاجٍ مغبر. "تابوت العهد"، كما أطلق عليها مدرس الرياضة واصفاً خزانة العرض ذات الأبواب الزجاجية، التي وضعت بداخلها جميع كؤوس البطولة. كؤوس لم يراها أحد عن قرب، ولم يخرجها مدرس الرياضة من خزانته. على مر سنوات عدة كنا نعتقد بأن السبب عائد الى تواضعه الشديد. لكننا نعلم اليوم انه كان هنالك سبباً آخر. كؤوس مدرس الرياضة لم تكن كؤوسه الشخصية بل كؤوس لطلاب المدرسة الذين فازوا بها على مر سنوات عدة في مسابقات، غالباً ما كانت ثانوية, كسباق الركض لبعد ستين متر للصف الأول في مدرستنا. مزوداً بساعة عد تنازلي، كان دور مدرس الرياضة في هذا السباق، حكماً. لاحقاً أدركنا أيضاً أن غالبية الكؤوس والميداليات المعروضة في خزانة العرض، قد تم جمعها من قبل مدرس الرياضة السابق، وعندما أصبح هذا كهلاً وغير قادر على حمل الكرة الحديدية، أُعطيَ وظيفة صغيرة في المدرسة كمدرس لفلسفة الأخلاق لصف البنات ذوات الاحتياجات الخاصة، وهو مازال محتفظاً بوظيفته هذه حتى يومنا هذا. كؤوسٌ ذهبية، قال مدرس الرياضة، عِلماً أنه كان يكفي أن تدق بأظفرك على تلك الكؤوس لتسمع الصدى المخجل للبلاستيك المطلي.

 

في مخيلتنا كان مدرس الرياضة رياضياً عظيم أُنزل للمدرسة بسبب معجزةٍ ربانية ليعطينا من بعض ما عنده من خبرةٍ هائلة، فتات من التقنية الرياضية لحقل الرياضة الذي كان يمارسه، مع أننا لم نستطع يوماً، ان نعرف ما كان نوع هذه الرياضة التي مارسها. كنا نسأله بأي فريقٍ كنت تلعب، بأي دوري كنت الكابتن، ومتى تم استدعائك لإنقاذ المنتخب الوطني – وقد أنقذه بالفعل. وما كان من مدرب الرياضة الا أن يتبسم ويومئ بيده أن لا عليكم. ونحن بدورنا كنا نفسر ايمائه هذا كدليل على تواضعه. لم نلحظ يوماً بأنه كان يعرج، ولو كنا لنلاحظ هذا، فانه لمن المؤكد، أننا كنا سنفسر هذا العرج كإصابة رياضية; ولم نسمع يوماً صوت حشرجته وقصر نفسه وسعاله المتواصل، وان كنا لنسمع، لكان زاد حاضره الصحي المتدني هذا من عظمت شخصيته في الماضي، عندما كان، ما كنا نظنه مسلماً به، رياضياً، ليناً، مفتول العضلات، "ملك الأهداف". على ما يبدو، فان ذهب الكؤوس شدنا، الى اتجاهٍ آخر. لم نكن لنوافق بأن هذا الحطام البشري – الشخص الذي حاول ان يرمي الكرة للسلة اما أعيننا مئات المرات دون أن يحرز هدفاً واحداً – ونادراً ما كان ينجح بإصابة اللوح – لم يكن يوماً الرياضي الذي كنا نريده أن يكون، بل الأخ غير الشقيق لنائبة مدير المدرسة، التي أجبرته على أخذ هذه الوظيفة.

في يوم من الأيام تم التخلص من تابوت العهد هذا والقائه في الساحة خلال عملية ترميم كاملة للمدرسة. تكسر زجاج خزانة العرض وظهرت للعيان كؤوس البلاستيك، بجانب قصاصات الجرائد التي احتوت على صور للكؤوس والميداليات التي مُسمرت وعُلقت على جدران الخزانة. تلك الكؤوس التي بدت لنا كأنها الذهب الخالص. نحن أيضاً لم نكن بأحسن حال، كم كانت مخجلة انجازاتنا الرياضية، لم نفز يوماً بمسابقة. لم نسدد يوماً هدفاً. في القفز العالي، كنا دائما نصطدم بالعارضة بلا علاقة لمدى لارتفاع المتدني للعارضة. ومن المقعد كان مدرس الرياضة يصرخ بنا، يضرب فخذه بيده المرتعشة. يحمر من شدة الغضب. يجهش بالبكاء المر في غرفة خلع الملابس، يركع على الأرض، يعفر رأسه بالتراب ويتمرغ اما أرجلنا. 

درور بورشطاين ولد في نتانيا عام 1970، يسكن في تل أبيب ويعلم الأدب في تل أبيب وفي ريشون لتسيون. كتب درور بورشطاين الأخيرة كانت الروايات "قريب"، "نتانيا"، "الأخت شمس" وكتابي بحث "أسئلة في الأدب" و"صور اللحم". حاز على جائزة رئيس الحكومة وجائزة برنشطاين. يكتب في موقع: drorb.wordpress.com

درور برونشطاين

حتى قبل سماع الكلمة الأولى يستوعب المشاهد اليهودي السياق: أسود وأبيض، موسيقى فيها حنين الى الماضي "نوستالجيا"، صوت انفجار - ليس هنالك شَك إذاً بأن السياق هو حرب "الاستقلال" الإسرائيلية ("النكبة" من المنظور الفلسطيني). يظهر الجندي الأول على الشاشة وهو متقمص شخصية نمطية المظهر لأحد مقاتلي "البلماح"[1]: إذ له شاربٌ كالفرشاة (هو من دون شك ذو أصولٍ روسية)، ومعطف عسكري قصير "بطدريس" وسلاح. وها نحن نسترق السمع لما يجول في خاطره: "بعد قليل ستغرب الشمس في ضواحي الغرب، ومع غروبها سينسدل الستار على شبابنا...".

ما الذي يضحكنا في هذا المشهد؟ أو قل، ما الذي كان من المفروض أن يضحكنا في هذا المشهد؟ الجواب هو أن للمشهد الفكاهي هذا القدرة على إضحاك من له خلفية ودراية بالثقافة الإسرائيلية-اليهودية ومن دون هذه الخلفية المعرفية سيبدو هذا المشهد غريب ومبتذل.

لقد استطاع هذا المشهد أن يقبض على شيء مهم في الثقافة الإسرائيلية. فلو قرأنا على سبيل المثال رواية إسرائيلية كرواية "خربة خزعة" للكاتب س. يزهار والتي تمثل أحد أعمدة الأدب الإسرائيلي (كُتبت هذه الرواية عام 1949 مباشرةً بعد انتهاء المعارك)، لاكتشفنا بمطلعها جمل على هذا المنوال:

 "لقد كنت أهتز مراراً، أتعجب كم كان من السهل إغوائنا، كم كان من السهل تضليلنا بأعيننا المحدقة، كم كان سهلاً الانضمام قلباً وقالباً للعامة، للأكثرية التي امتهنت الكاذب والتضليل...".

رواية يزهار هذه، تصف لنا احتلال قرية فلسطينية ما وطرد سكانها من العجزة والمعاقين، الأطفال والنساء، خلال معارك عام 1949. ليس هنالك شك أن هذه الرواية تنبع من تبني موقف أخلاقي شجاع، رافض لل"الانضمام ... للأكثرية التي امتهنت الكذاب"، تلك الفئة التي لا تعترف بحصول التهجير القسري والغير أخلاقي. وعليه فيمكننا القول أن، الموقف الأخلاقي هذا هو أحد النقاط البارزة في هذه الرواية، ولكن ما لا يقل عن هذا الموقف الأخلاقي تميزاً في هذه الرواية، هي لغت يزهار الرفيعة والمترفعة، ومفرداته الجمالية الأخاذة، التي لا تنقطع حتى عندما تحاول سرد قصة التهجير باستخدام الوصف الجمالي للطبيعة كقوله: "الحضور الوجودي المغتسل بالندى، الطاهر للحقول".

خلال عملية التهجير يشعر الكاتب بأنه "عصفورٌ جريح" وهنالك العديد من هذه الأمثل لعذاب القاص المتكرر مرة تلو الأخرى. لكن ما يحدث على أرض الواقع هو أن الكاتب يشارك بالطرد الفعلي، على الرغم من أنه معارضٌ له، إلا أنه لا يحاول منعه (وليس بمقدوره كفرد، منع أي شيء). فنراه يتخبط بالموقف الأخلاقي فقط بعد انتهاء الحدث أو فعل التهجير. قد يكون هذا التخبط بحد ذاته جميل وساذج ومتأمل. فلقد نجح بإنتاج أدبٍ يصل الى أقصى جمالياته أو على الأقل من ناحية الأسلوب، لكن هذا هو تماماً التضاد الداخلي بين أسلوب الخطاب الجميل والشاعري أي "الخطاب - الداخلي" وبين الفعل العنيف والفظ – أي "الواقع- الخارجي". هذا التضاد هو الشيء الذي يشير اليه هذا المشهد الهزلي لفرقة " خماسية الحجرة الموسيقية" والتي كانت فعالة في متصف التسعينات من القرن الماضي.

في الواقع هذا المشهد عبارة عن محاكاة ساخرة لأدبيات "البلماح" وهي أحد أنواع الكتابة الكلاسيكية في الأدب الإسرائيلي، والتي لا تقتصر تحديداً على رواية يزهار وحده. ففي هذا المشهد الساخر نرى الجنود جميعاً في حالة "تأمل". وعلى ما يبدوا أن الجنود لا يتمتعون الا بعالم داخلي (على الرغم من أن ماهية الجنود هي الفعل في العالم الواقعي). وعليه فان المشهد يقدم لنا كثافة العالم الداخلي للجنود، محاكياً الصورة النمطية لشخصيات يزهار، هذه المحاكة الهزلية تأخذ أبطال يزهار الى حدود العبثية واللا واقعية. عالم الجنود الداخلي يعطيهم القدرة على مخاطبة أحدهم الآخر من دون أن ينطقوا بكلمة. كأنهم موجودين سويةً في عالم داخلي جماعي مكون من الجمل البلاغية والكليشاهات الشعرية: "رجالٌ ميتون، وأشواكٌ مغروزة في قلوبهم"، وعلى سبيل المثال أحد الجنود في هذا المشهد متيقظ لسخافة لغة الجنود البلاغية، سائلاً نفسه: " هل سنقدر عليهم؟ بنظرتنا الحزينة، بخطانا المرتبكة، بلغتنا الشعرية؟" في الواقع هذا الإدراك للأسلوب الشعري للممثل في المشهد، هو أيضاً ضرب من ضروب المحاكة الساخرة الذاتية.

إذا عدنا للمشهد فنستطيع أن نرى أن المشهد يصور الجنود على أنهم مجموعة من الشعراء (أحدهم يبدوا غارقاً بالكتابة) وجدوا أنفسهم صدفةً في الحرب. هذا المشهد هو عبارة عن مبالغة ساخرة لصفة (شاعرية الجنود، ووجودهم الغير مقصود في ساحة المعركة) موجودة فعلياً وبشكل جدي عند يزهار وفي أعمال كتاب آخرين من أبناء جيله (كموشيه شمير على سبيل المثال).

هذه المحاكاة الساخرة تتقدم بنا خطوةً أخرى في الجزء الثاني من المشهد. هنا تظهر لنا ذات المجموعة من الممثلين الذين لعبوا دور الجنود اليهود على أنهم مجموعة من الجنود العرب (على ما يبدوا أردنيين)، هذه المجموعة من الجنود الأردنيين تقول تقريباً ذات النص الذي قاله الجنود اليهود (النص يقال باللغة العبرية لكن بلكنة عربية)، أي أن الممثلين في هذا المشهد يعرضون صورة موازية ومطابقة لحالة "التأمل الشاعرية" عند الجنود اليهود. هنا أيضاً يوجد انتقاد حادة من في المشهد للأدب النمطي عند يزهار وأقرانه. فبرواية "خربة خزعة" وبروايات مركزية أخرى معاصرة لهذه الرواية، لا نسمع تقريباً "الصوت" العربي. وان سمعناه فيكون هذا الصوت أشبه بصيحة أو بحشرجة غير مفهومة، ككلمة "كعكوع" التي يضعها يزهار في لسان شخصية عربية. بمعنى أدق، يمكننا القول بأن الرواية البلماحيت الكلاسيكية لا تسمح لوجود حوار بين اليهود والعرب بهدف افساح المجال للعمليات العسكرية، للتهجير، من دون عقبات أخلاقية مبالغة. إذ أن ماهية الحوار هو الاعتراف بالإنسانية المتبادلة، وقصة أيديولوجية معنية أولاً وآخراً بأن يكون الصوت الأساسي الذي يتوجب علينا سماعه هو صوت الكاتب في الرواية لا غير.

تظهر هذه الحقيقة جلياً على ضوء الاسراف في التأملات الداخلية والغنى النسبي للعالم الداخلي للشخصيات اليهودية في رواية يزهار. هذه الخاصية تظهر بشكل أكثر وضوحاً في أهم عمل أدبي ليزهار وهو رواية "أيام مدينة تسكلاغ[2]" والتي نشرت في عام 1959 - تدور احداث هذه الرواية في ذات الحقبة الزمنية من عام 1949. وفي هذه الرواية لا يوجد للفلسطينيين على ما يبدو عالم داخلي، قد نسمعهم يبكون أو يتمتمون، لكن لا يمكننا الحديث عن تأملات داخلية وشاعرية بالأسلوب الدارج عند الشخصيات اليهودية، لأن الكاتب لم يعطي جملةً لشخصية عربية تدل على وجود حوار داخلي شاعري كالتي تتواجد وبكثافة عند أعدائهم من الجنود اليهود الذي يقول أحدهم:  "شخص ما صرخ صرختاً غريبةً نحوي، كعصفورٍ جريح". ربما لأنه لو كان بالإمكان سماع صرخة العصفور الجريح عند الطرف الثاني، لتوقفت أعمال العنف. 

ومن هنا فان هذا المشهد الهزلي ينجح في الإشارة الى نقطة ضعف يزهار كأحد الكتاب المركزيين خاصة، ونقطة ضعف الثقافة الإسرائيلية عامة – ويكشف عدم قدرتهما على أو رغبتهما في إضفاء صفه إنسانية على المهجرين الفلسطينيين كبشر ذوي روحٍ وعالم داخلي وأفكار مشابهه لهم – وهو قادرٌ على القيام بمثل هذا النقد الدقيق ببساطة لأنه نجح في اظهار الضحية المغيبة حيث أنه أظهر الجنود الأردنيين في حالة "تأمل" فهم يفكرون ويتأملون ذات الأشياء التي يتأملها ويفكر بها الجنود اليهود. وعالمهم الداخلي ليس شحيحاً او معدوماً كما صوره الكتاب الإسرائيليين في أعمال الأدب الرفيع، بل هو مماثل لعالم عدوهم اليهودي.

ربما لهذا السبب وعلى العكس مما حصل في الواقعة التاريخية في عام 1949 فانه في نهاية هذا المشهد لم يكن هنالك عنف وإطلاق نار.

 



[1] البلماح ( פלמ"ח) اختصارا لعبارة سرايا الصاعقة باللغة العبرية "بلوجوت ماحتس - פלוגות מחץ" ، وهي القوة المتحركة الضاربة التابعة لجيش المستوطنات اليهودية (الهاجانا) في فترة الانتداب.  

[2] تسكلاغ هو تل الشريعة في النقب الشمالي بعض المؤرخين الإسرائيليين يعتقدون أن في هذا التل البقايا التاريخية للمدينة التوراتية تسكلاغ.

בחדרו של המורה להתעמלות עמד ארון בעל זכוכית כהה מאובקת. "ארון הקודש", כינה אותו המורה. בארון העץ בעל דלת הזכוכית אוחסנו הגביעים. איש מעולם לא ראה אותם, והמורה להתעמלות מעולם לא הוציא אותם מארונו. היו שנים שחשבנו כי מחמת צניעותו המופלגת. כיום כבר אנו יודעים שלא זאת הסיבה. גביעיו של המורה להתעמלות לא היו גביעיו האישיים של המורה אלא גביעים שתלמידי בית הספר זכו בהם לאורך שנים ארוכות, בתחרויות שוליות על פי רוב, כמו תחרות הריצה לשישים מטרים של כיתות אל"ף של בית ספרנו. המורה להתעמלות, מצויד בשעון-העצר, שפט. לימים ייוודע לנו שרוב הגביעים והמדליות נצברו על ידי המורה הקודם להתעמלות, שלעת זקנה, עת לא יכול היה עוד להרים את כדור-הכוח, הוקצתה לו משרה זעירה כמורה לתורת המוּסר של כיתת הבנות הנחשלת, משרה בה הוא מחזיק עד עצם היום הזה. גביעי זהב, אמר המורה להתעמלות, אף כי די היה בנקישת ציפורן כדי לשמוע את הדהודו המחפיר של הפלסטיק הצבוע.

בדמיוננו היה המורה להתעמלות ספורטאי גדול שבמעשה של חסד ירד אל בית הספר על מנת להעניק לנו מעט מהידע העצום שלו, פירור של הטכניקה המופלאה של ענף הספורט שלו, שמעולם לא הצלחנו לברר מה היה. אנו שאלנו באיזו קבוצה שיחק, באיזו עונה היה הקפטן, ומתי נקרא להושיע את הנבחרת הלאומית – ואכן הושיע. המורה להתעמלות היה מחייך ומחווה תנועת ביטול בידו. אנו פירשנו את התנועה כביטוי של צניעות. לא ראינו את צליעתו של המורה, ואם ראינו הבנו אותה כפציעה ספורטיבית; לא שמענו את חרחוריו, את נשימתו הקצרה, את שיעוליו התכופים, ואם שמענו הרי שמצבו הירוּד בהווה רק העצים את דמותו בעבר, עת היה, כך הנחנו כמובן מאליו ממש, שרירי, חזק, גמיש, "מלך השערים". זהב הגביעים משך, כביכול, את דמותו של המורה אל כיוון אחר. לא יכולנו להסכין לידיעה כי שבר-כלי זה – אדם שניסה לקלוע לסל לנגד עינינו מאות פעמים ולא הצליח אפילו פעם אחת – לעתים נדירות הצליח לפגוע בקרש – לא היה מעולם הספורטאי שרצינו שיהיה, אלא אחיה החורג של סגנית מנהל בית הספר, שכפתה עליו את המשרה הזו. יום אחד נזרק ארון הקודש לחצר במהלך שיפוץ מקיף של בית הספר. הזכוכית נשברה וגביעי הפלסטיק הגיחו, לצד גזירי עיתון שצולמו בהם תמונות גביעים ומדליות שמוסמרו לדופן הארון, ומבעד לחלון העכור נדמו לנו כזהב. ואף אנו, כמה מחפירים היו הישגינו הספורטיביים. מעולם לא זכינו בתחרות. מעולם לא הבקענו שער. בקפיצות לגובה היינו נכשלים ברף, ואחת היא עד כמה נמוך הוצב. ומן הספסל היה צורח עלינו המורה להתעמלות, מכה ביד רועדת על ירכו, מאדים כולו מחרון, ממרר בבכי בחדר ההלבשה, יורד על ברכיו, מניח עפר על ראשו, מתפלש באבק לרגלינו.

דרור בורשטיין נולד בנתניה בשנת 1970, גר בתל אביב ומלמד ספרות באוניברסיטת תל אביב, באוניברסיטה העברית ובמכללת עלמא. בין ספריו: הרומנים "אבנר ברנר" ו"הרוצחים", הנובלה "קרוב" והספר התיעודי "בלי שום מקרה מוות". זכה בפרס ראש הממשלה ובפרס ברנשטיין. מפרסם בלוג באתר "רשימות": drorb.wordpress.com

[המלצה מאת דרור בורשטיין:]

עוד לפני המילה הראשונה הצופה היהודי קולט את ההקשר: שחור לבן, מוזיקה "נוסטלגית", פיצוץ: אין ספק שזו מלחמת העצמאות של ישראל ("הנכבה" מן הצד הפלסטיני). החייל הראשון שמופיע על המסך הוא לוחם פלמ"ח טיפוסי: יש לו שפם מברשת (שמקורו בלי ספק ברוסיה), מעיל צבאי קצר ("בטלדרס"), ונשק. אנו שומעים את מחשבותיו: "עוד מעט תשקע השמש בפאתי מערב, ואיתה ישקעו גם נעורינו...".

מדוע זה מצחיק, או לפחות אמור להצחיק? המערכון יכול להצחיק רק מי שיש לו רקע מסוים בתרבות הישראלית היהודית. בלי הרקע הזה המערכון ייראה תמוה ומופרך. המערכון תפס משהו מדויק בתרבות הצבאית הישראלית. אם נקרא סיפור קנוני כמו "חרבת חזעה" של ס' יזהר, שנכתב ב-1949, סמוך לתום הקרבות, נגלה בפתיחתו משפט כמו "הייתי חוזר וננער, תמה כמה נקל להיפתות, ללכת שולל גלוי עיניים, ולהצטרף מִנֵיה-וּבֵיה אל זו עדת המשקרים הגדולה הכללית...". סיפור זה, המתאר כיבוש של כפר וגירוש כל תושביו – זקנים, נכים, נשים וילדים – במהלך קרבות 1948, מסופר מתוך תודעה מוסרית אמיצה בלי ספק, המסרבת "להצטרף... אל עדת המשקרים", עדה המכחישה את הגירוש הבלתי מוסרי. אבל לא פחות מהעמדה המוסרית בולט בסיפורו של יזהר הטון הסיפורי המרומם, הלשון היפה להפליא, המבחינה, גם בתוך מעשה הגירוש בפרט נוף כמו "ההוויה הרחוצה, המטוהרת, של השדות". בתוך מעשה הגירוש המספר אף חש "כציפור פצועה". הדוגמאות לכך רבות: המספר מתייסר שוב ושוב. בזמן אמת הוא משתתף בגירוש, מוחה אך לא מונע (ואין ביכולתו, כיחיד, למנוע דבר). רק לאחר מכן הוא מתחבט בצדקתנו. וההתחבטות הזו יפה, תמימה, מהורהרת. ספרות במיטבה, לפחות מבחינה סגנונית.

בדיוק את הסתירה הפנימית הזו, שבין סגנון דיבור יפה ומליצי, "פנימי", ובין פעולה אלימה, "חיצונית", תופס המערכון של "החמישייה הקאמרית" מאמצע שנות ה-90' של המאה הקודמת. למעשה, זוהי פרודיה על ספרות הפלמ"ח כז'אנר של הספרות הישראלית, ולאו דווקא על סיפורו של יזהר. החיילים כולם "מהרהרים" במערכון. כביכול, יש להם אך ורק עולם פנימי (והרי חיילים פועלים בעיקר בעולם החיצוני). המערכון מביא את האינטנסיביות של העולם הפנימי, שכה מאפיינת את דמויותיו של יזהר, עד לאבסורד, שכן הם מצליחים לשוחח זה עם זה בלי לפתוח את הפה, כאילו הם קיימים ביחד בעולם פנימי קולקטיבי של מליצות וקלישאות "פיוטיות": "גברים מתים שדרדרים תקועים בליבם", למשל. אחד החיילים אף מודע לגיחוך שבלשון המליצית של החיילים, ושואל "האם נוכל להם? במבטנו הנוּגה, בצעדנו המתלבט, בשפתנו הפיוטית"? זוהי פרודיה-עצמית.

החיילים מוצגים כחבורת משוררים (אחד מהם אף כותב), שבמקרה נקלעו למלחמה. זוהי הקצנה פרודית של תכונה שקיימת "ברצינות" ביצירתו של יזהר וביצירתם של סופרים אחרים מבני דורו (למשל משה שמיר).

הפרודיה הולכת צעד נוסף בחלקו השני של המערכון. כאן מוצגים חיילים ערבים (ירדנים, ככל הנראה), המגולמים על ידי אותם שחקנים שגילמו את החיילים היהודיים. החיילים הירדניים אף אומרים פחות או יותר את אותו הטקסט (הם אומרים אותו בעברית במבטא ערבי), כלומר הם מציגים תמונת-מראָה של ה"הרהורים" של החיילים היהודיים. גם כאן יש הערה חריפה מאוד של המערכון. ב"חרבת חזעה" ובסיפורים מרכזיים אחרים בני התקופה, הקול הערבי לא נשמע כמעט. ואם הוא נשמע הרי זה בזעקות או באופן לא מובן, ב"כעכוע" אצל יזהר, למשל. במילים אחרות, סיפור הפלמ"ח הטיפוסי לא יאפשר דיאלוג בין יהודים וערבים, וזאת על מנת לפנות מקום בסיפור לפעולה המלחמתית, לגירוש, בלי עיכובים מוסריים מופרזים. דיאלוג משמעו אנושיות הדדית, וסיפור אידיאולוגי מעוניין שהקול העיקרי שיישמע יהיה הקול של הצד של מספר הסיפור.

עובדה זו בולטת במיוחד לאור האינפלציה של ההרהורים והעושר היחסי של העולם הפנימי של דמויות היהודים בסיפורו של יזהר (דבר זה בולט אף יותר ביצירתו הגדולה המתייחס אף היא לאותה תקופה, הרומן "ימי צקלג" מ-1959). בסיפור זה, אין לדמויות הפלסטיניות, כביכול, עולם פנימי: אנו שומעים אותן בוכות או מגמגמות, אבל אין מה לדבר על "הרהורים" פיוטיים בסגנון "מישהו צועק אחרת בי, כציפור פצועה" של המספר. כי אולי אם היה אפשר לשמוע את צעקת הציפור הפצועה בצד השני, הפעולה האלימה הייתה נבלמת.

המערכון נוגע בדיוק בנקודה החלשה הזו של יזהר כסופר מרכזי ושל התרבות הישראלית בכלל – אי יכולתו או אי רצונו לייצג את המגורשים כבעלי נפש ומחשבות – בכך שבמערכון גם החיילים הירדניים "מהרהרים", והם מהרהרים את אותם הרהורים של היהודים. שלא כמו ביצירת הספרות היפה, עולמם הנפשי הפנימי זהה לזה של היהודים. לכן, אולי, במערכון הזה, בניגוד להיסטוריה, לא נורית שום ירייה.